Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
Marrakech
2 septembre 2008

المديوري

من هو المديوري ؟

كان محمد المديوري ظل الملك الراحل الحسن الثاني الذي لا يبارحه، وهو لازال من الشخصيات التي يلفها الغموض بعد أن اختار الصمت المطبق والاستقرار بعيدا عن المغرب، بالرغم من أنه يعتبر مهندس منظومة جهاز الأمن الخاص للملك بتوجيه وتدبير مباشر من طرف الفرنسيين. عرفمحمد المديوري محمد المديوري برهبة خاصة وهيبة مغايرة لتلك الهيبة التي كان يتميز بها رجال الأمن القريبين من الملك على وجه الخصوص في عهد الحسن الثاني، هذه هي الصورة التي ألصقت بشخص محمد المديوري في نظر الكثير من المغاربة، ولربما تكرست هذه الصورة بفعل نظرة الملك الحسن الثاني لحارسه الشخصي ولاقتران ظهوره باستمرار قريبا منه قرب حبل الوريد. هناك مفارقة تاريخية غريبة انتبه إليها الكثيرون، ففرنسا كانت في السابق ملاذا لمعارضي الحسن الثاني والنظام الملكي الفارين من أجهزته الأمنية والهاربين من الأحكام الصادرة بعد محاكمات صورية على امتداد سنوات الجمر والرصاص، لكنها في عهد محمد السادس أضحت وجهة رجالات العهد القديم، وأبرزهم حاليا محمد المديوري، الحارس الخاص للملك الحسن الثاني، وإدريس البصري وزير الداخلية المخلوع، وكلاهما يقيمان حاليا بباريس، واجهة الحرية في العالم منذ القدم. هل عزل محمد المديوري كان مرتبطا بالتخلص من رجالات العهد السابق أم أن هناك أسبابا أخرى كانت وراء تعجيل بتنحيته بصمت؟ وهل مغادرته للمغرب بعد عزله، وتفضيله الاستقرار بالديار الفرنسية جاء نتيجة صفقة سرية أبرمت مع القصر لضمان صمته فيما يخص أسرار، وهو من أكثر المطلعين عليها؟ لكن لماذا لف صمت كثيف هذه الشخصية المهمة من رجالات الحسن الثاني، كما لف الثروة "الطيطانيكية" التي راكمها حتى أضحى واحدا من أغنى أغنياء المغرب؟ إنها أسئلة شغلت ولازالت تشغل بال الكثيرين من المغاربة، لاسيما وأن الشكوك ما تزال تحوم حول المقابل الذي استفاد محمد المديوري كضمان لسكوته والابتعاد كليا عن الأنظار مع استمرار العلاقات في الكواليس بينه وبين ا لقصر الملكي.

صفقة الصمت والمنفى الاختياري

كان محمد المديوري يعلم علم اليقين، ويدرك جيدا أنه لن يستمر في موقعه بعد وفاة الملك الحسن الثاني بجانب الملك محمد السادس، لذلك حاول مبكرا التخطيط لتأمين مستقبله ومصالحه التي راكمها على امتداد العهد السابق. يبدو أن الحارس الخاص للملك الحسن الثاني شرع في تهييء تجميع ظروف نجاح الصفقة منذ أن تأكد مرض الملك الراحل، لاسيما بعد رجوعه من زيارتهصفقة محمد المديوري مع القصر الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في غضون سنة 1995، وقتئذ حاول محمد المديوري التخطيط لخبطته، أي مراكمة الضمانات لعدم مساسه بأي شكل من الأشكال، مع استمرار مصالحه الخاصة ومصالح ذويه وأعوانه الأقربين الذين ساهموا في هندسة مخططه. وحسب أحد المصادر، مع مرض الملك الحسن الثاني، سعى محمد المديوري لتأمين خلفيته بتقوية علاقته مع الأمريكيين، وكان السبيل الأجدى هو تقريبهم وتقريب الإسرائيليين من الأسرار الخاصة للملك الحسن الثاني، وبالموازاة مع ذلك حاول التخطيط للمزيد من التقرب للعائلة الملكية وولوج دائرة القصر الرسمية من بابها الواسع كأحسن ضمانة للاطمئنان عن مآله ومآل إمبراطوريته المالية. ومن تجليات الصفقة المبرمة بين القصر ومحمد المديوري عدم تفعيل النبش في ثروته وعدم السماح بالمس في مصالحه ومصالح أبنائه وأفراد عائلته، وتغييب اسمه عن جملة من الملفات والقضايا خلافا لما وقع لآل البصري. وفي هذا الإطار تذهب بعض المصادر إلى القول إنه كان وراء تحريك جملة من الخيوط في قضية هشام المنظري، وهذا ما أفادته جملة من المعلومات سربها للكاتب والصحفي الفرنسي "توكوا". لكن قضية هشام المنظري وتداعياتها شكلت ضربة قاسية أثرت على موقع ومسار الحارس الخاص للملك الحسن الثاني، ولم تكن هذه النازلة لتقصم ظهره لولا جملة من الملفات والتقارير والوثائق المسجلة (الصوتية والمرئية) المرتبطة رأسا بأسرار الدولة والتي احتوتها الحقيبة المختفية من خزينة غرفة نوم الملك الحسن الثاني، كانت هذه الحادثة بداية السقوط إلى الهاوية، إذ بدأت عدة تساؤلات تطفو على السطح.. كيف عجز جهاز محمد المديوري، حارس الملك الخاص ورجل ثقته بامتياز، عن حماية فضاء خاص جدا لا يلجه إلا أشخاص معلومين قلائل جدا وتحت مراقبة لصيقة؟ وحسب أحد المصادر تعقدت النازلة بفعل مشروع زواج المديوري بشهرزاد الفشتالي لولا إصرار عائلته على رفض هذا القران. لفهم طبيعة الصفقة التي أبرمها الحارس الخاص للملك الحسن الثاني، محمد المديوري، مع القصر، لا مناص من الرجوع إلى التساؤل حولالامير مولاي هشام علاقته بقضية هشام المنظري، باعتبار أن هذا الأخير حاول استغلال خيوط المخطط المحبوك من طرف غيره لصالحه وحده، وهذا ما لم يكن بحسبان المديوري والمتواطئين معه. فهشام المنظري مثل حجر الرحى والآلية الأساسية لجزء كبير من هذا المخطط، إذ بواسطته فكر المخططون في الاستيلاء على الأموال وتهريبها إلى الخارج قبل وفاة الملك الحسن الثاني، وكذلك تهريب جملة من الوثائق المرتبطة بأسرار الدولة. وأكد أحد المصادر أن الداعي الجوهري لدفع محمد المديوري لحبك مخطط توفير الشروط لضمان "تفاوض ضمني" من موقع قوة مع القصر بخصوص مآله، انطلق من شعوره بأن جهات داخلية وأخرى خارجية سعت إلى عزل الملك الحسن الثاني داخليا وخارجيا، لذا حاول المديوري اللعب بورقة هشام المنظري كورقة رابحة إلى آخر لحظة، وفي هذا الإطار وجب فهم إصرار هشام المنظري على أن تكون المفاوضات معه بحضور محمد المديوري ومشاركته فيها، ولم يتنازل عن هذا الشرط إلى حدود اغتياله، علما أن مبعوثا من جهاز الديسطي حاول جاهدا ثنيه بالتخلي عن هذا الشرط بفعل الظروف الخاصة التي كان وقتئذ يعيشها محمد المديوري مع العائلة الملكية قبيل وفاة الملك الحسن الثاني. لم يكن هشام المنظري ورقة "رابحة" بالنسبة لمحمد المديوري ورجاله القريبين منه فقط، وإنما كان كذلك بالنسبة للإسرائيليين عبر جهاز مخابراتهم، الموساد، والذين حاولوا استخدامها لتكريس تطبيع علاقاتهم مع الملك محمد السادس للبحث عن إمكانية لعب دور ما من شأنه أن يساهم في التخفيف من حدة الانتفاضة. ويذهب مصدرنا إلى القول بحدوث توافق بين محمد المديوري والموساد والأمريكيين بخصوص استعمال "هشام المنظري" كورقة تخدم مصالح كل جهة على حدة في ذات الوقت. وفعلا لم يفت المخابرات الإسرائيلية استعمال هذه الورقة لصالحها لقطع الطريق على المغرب بالفعل في القضية الفلسطينية عبر لجنة القدس التي ورث رئاستها الملك محمد السادس بعد وفاة والده. إن محمد المديوري دخل دائر ة الصمت المطبق مقيما بالديار الفرنسية، بفعل صفقة مبرمة في الكواليس، السكوت وحفظ أسرار الدولة مقابل عدم مساس إمبراطوريته المالية والاستمرار في الاستفادة من كل امتيازاته ودون أي مساءلة مهما كان الأمر ولو بخصوص علاقته بنازلة هشام المنظري وتداعياتها. وحسب أكثر من مصدر لم تنقطع الروابط بين محمد المديوري والقصر الملكي، بحيث تكلف بحراسة أملاك العائلة الملكية وحراسة أفرادها بفرنسا وأوروبا. بعد استقراره في شقته بزنقة "بيري" بباريس وأخرى بشارع "موريس باريص" بنويي، وقد شوهد أكثر من مرة بالإقامة الملكية الكائنة بزنقة "وينستون" بالعاصمة الفرنسية.

الإمبارطورية "المديورية"

لكونه كان ظل الملك الراحل الذي لا يفارقه، خولت له، بفعل الأمر الواقع، جملة من الصلاحيات والامتيازات، مكنته من التموقع في داخل مجموعة من القطاعات بشراسة أحيانا، أقلقت عالم رجال المال والأعمال، ويكاد يكون من المستحيل الوقوف على مختلف مكونات الإمبراطورية "المديورية"، أولا، لضخامتها وانتشارها الأخطبوطي، وثانيا لانسداد أبواب المعلومات بخصوصها، لاسيما فيما يتعلق بجملة من القطاعات الحساسة التي لم يكن للمديوري أدنى حظ لولوجها دون مباركة القصر الملكي وتوصيات شخصية ومباشرة من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، لكن الملاحظ هو أن مصالح آل المديوروي تأسست في قطاعات مضمونة الربح مهما كانت الظرفية، إذ أنها ترسخت في مجالات وأنشطة ظلت تسيل لعاب مختلف ذوي المال والنفوذ وأصحاب الامتيازات بالمغرب. ومنها قطاع الأدوية واستيراد الأسلحة ومعداتها والمتفجرات وقطع الغيار وقطاع السينما، والمجال العقاريمحمد المديوري والسياحي وقطاع الاتصالات والمعلوميات ومجال التكوين والتعليم الخاص المرصود لأبناء الميسورين. إن مصالح محمد المديوري حضرت بقوة في قطاعات قبل مجموعة "أونا" نفسها، لاسيما قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية، كما كان من الأوائل في قطاع الصيد البحري بأعالي البحار والمستفيد من مختلف المشاريع والصفقات الهامة في القطاع السياحي والإنعاش العقاري. تتكون الإمبراطورية "المديورية" حاليا من مجموعة من الشركات في مختلف القطاعات، في ملكيته أو موزعة على أبنائه وذويه، وأخرى، رغم أنها ظاهريا في ملك الغير، لكنها كلها تسير من طرف أشخاص وقعوا له شيكات على بياض ومنحوه ضمانات تجعله المتحكم والمسير والمستحوذ على الأرباح. من أولى الشركات التي أسسها، شركة تزويد القصور والإقامات الملكية بأجهزة الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية وشركة استيراد وتسويق الأسلحة والمتفجرات، وخطط محمد المديوري لجملة من زيجات المصلحة التي من شأنها ضمان اتساع وتقوية إمبراطوريته، وبذلك صاهر ابنه محمد الجنرال سور الله، وزوج ابنته فاطمة الزهراء، التي تابعت دراستها مع الأميرة لالة أسماء، بأحد أقارب الجنرال حسني بنسليمان.. وأبناؤه هم الآن على رأس شركات رائدة في قطاعاتها، وظل ذووه يغترفون الملايير من السنتيمات من امتيازات مقالع الرمال بدون حسيب ولا رقيب، مع كل التسهيلات الممكنة على امتداد أزيد من ثلاثة عقود التي كان فيها محمد المديوري ظل الملك الراحل الحسن الثاني ورجل ثقته. إن مختلف أفراد عائلته صالوا وجالوا في نهب مقالع الرمال، وقد أوكلوا ابنه منصف المديوري تدبير هذا النهب تحت مظلة القانون وفي كنف حمايته على امتداد محور للدار البيضاء مولاي بوسلهام. شكلت شركة "سييم" CIEME، المتخصصة في تسويق ووضع وتركيب أجهزة الاتصال، اللبنة الأولى للإمبراطورية "المديورية"، أسسها الحارس الخاص للملك وكلف نجله منصف بتدبير شؤونها. بفضل والده وجد منصف المديوري نفسه في خريف سنة 1981، وعمره آنذاك لم يتجاوز بعد 23 سنة، على رأس شركة زبونها الأول والرئيسي القصر الملكي، إذ لم تكن تعمل في سنواتها الأولى إلا معه، حيث تكلفت بوضع أجهزة اتصال تعمل بالأقمار الاصطناعية بمختلف القصور والإقامات الملكية، وهي أجهزة كانت تمكن آنذاك من التقاط القنوات الخارجية ومن إدارة وتدبير منظومة اتصالات القصور والإقامات الملكية بالمملكة، لم تمر إلا خمس سنوات حتى بدأ رأسمال الشركة يتضاعف بفضل البلاط. وفي هذا الصدد تناسلت أخبار تعلقت بتراكم مبالغ مالية وظلت الفاتورات الخاصة بها على مكتب مدير الكتابة الخاصة للملك، المكلف بتدبير شؤون الثروة الملكية، ولم يفرج عنها بصرف مبالغها إلا بعد تدخل السيدة لطيفة أمهروق، زوجة الملك الراحل الحسن الثاني. في نهاية سنة 1987 وسعت شركة "سييم" نشاطها باهتمامها بتوزيع الأفلام السينمائية واستيراد الآليات الإلكترونية وأشرطة الفيديو، وتمكنت سنة 1991 من تحقيق رقم معاملات فاق 9 مليارات درهم، آنذاك كانت شركة "سييم" محتكرة للسوق لا ينافسها أحد. في سنة 1984دفع محمد المديوري ابنه منصف إلى إحداث شركة "راديو المغرب" المهتمة بالدرامات وتركيب واستعمال المعدات الهاتفية الإلكترونية وأجهزة الرادار واستيراد معدات الفحص بالأشعة المستعملة في المجال الصناعي والأمني، وكذلك تمثيل شركة "أنتركوم" الأمريكية، كما اهتمت "راديو المغرب" بقطاع الأدوية وبالدراسات في المجال الصناعي والنقل ومجالات أخرى. وهكذا أضحى المديوري على رأس مجموعة متعددة الاختصاصات. لازالت شركة "سييم" رائدة في قطاعها، وتألقت مؤخرا في تسويق برمجيات تدبير الصوت والمعطيات، وهي الآن صاحبة حصة الأسد في سوق التدبير المالي للاتصالات GESTION FINANCIERE DES TELECOMMUNICATIONS (GFT). وهي من أولى الشركات التي نشطت في هذا الاختصاص بالمغرب، وظل رقم معاملاتها في تصاعد باستمرار، بمعدل نسبة تتموقع ما بين 10 و15 في المائة سنويا، وزاد اهتمام آل المديوري بقطاع الاتصالات بإحداث شركة أخرى، "أكسيس نيت" سنة 1999 والتي احتكرت تجهيز الجماعات المحلية بمعدات الاتصالات. أما في قطاع السياحة والإنعاش العقاري، فقد أسس محمد المديوري سنة 1987 شركة "السعيدية بيش" التي اضطلع برئاسة مجلس إدارتها نجله منصف، وفاق رقم معاملتها سنة 2000، اثني عشر مليون درهما. كان محمد المديوري قد خلق شركة "إمكالة للسياحة" وشركة "كوكب السعادة" ليتمكن من وضع يده على أفخم الفنادق والمطاعم والحانات، لاسيما في غضون التسعينيات. ولم يسلم قطاع التعليم الخاص من قبضة محمد المديوري، خصوصا المؤسسات التعليمية المرصودة لأبناء العائلات الميسورة، منها ما أسسها ومنها ما ساهم بقوة في رأسمالها اعتبارا للأرباح التي تذرها، ومن هذه المؤسسات "سيب دي كو"، وهي من أولى المؤسسات الخاصة في التكوين المعلوماتي، و"رياض المعرفة" (روض – ابتدائي)، وهي مؤسسة تعليمية في ملك آل المديوري، مرصودة لأبناء أكبر الميسورين بمدينة (الرباط) وتُدبر شؤونها ابنته فاطمة الزهراء. كما تألق محمد المديوروي في خلق شركات الأمن الخاص، التي يشتغل فيها جملة من المتقاعدين من الأمن الوطني والدرك والجيش، وبعض الشباب الذين خضعوا لتدريبات خاصة، وهي الشركات التي يديرها بنفسه معية شركاء فرنسيين وأوروبيين، وتنشط بالمغرب وبجملة من الدول الإفريقية. عموما بلغت قوة الإمبراطورية "المديورية" درجة أخطبوطية تمتلك القدرة حتى على التأثير المباشر في بورصة القيم، والظاهر حاليا أن محمد المديوري يركز اهتمامه على جملة من فضاءات الإعلام المرئي، إذ شرع في المساهمة بقوة في بعض الفضائيات ذات الصيت القاري ومن المحتمل جدا أن يخلق قناة خاصة بالمغرب.

قوة المديوري

شخصان أطالا المقام في مناصب حساسة بالمملكة، وكلاهما اضطلع بمهامه على امتداد مرحلة سنوات الجمر والرصاص، إنهما إدريس البصري، وزير الداخلية المخلوع الذي يقول إن الملك الراحل الحسن الثاني كلفه ببناء الدولة الحديثة، ومحمد المديوري، رجل ثقته وراء الستار وظله أين ما رحل وارتحل لمدة تناهز ثلاثة عقود متواصلة. يكمن جوهر قوة محمد المديوري في قربه الدائم بالملك ومكانته لديه، وازدادت هذه القوة بفعل عدم خضوعه لمديرية الأمن الوطني كما كان عليه الحال في عهد الجنرال محمد أوفقير، وأحيانا كثيرة كان يتجاوز المدير العام للأمن، كما أنه تمكن من السيطرة على أغلب الرؤوس الأمنية على امتداد التراب الوطني بفعل تمكنه من مركزة المعلومة الحساسة والتحكم فيها. فقبل الانقلابين العسكريين الفاشلين، كان الجنرال محمد أوفقير هو القائم على جهاز الحراسة الخاصة بالملك، وكان يعتمد في البداية على عناصر من الجيش تجيد الرماية والتصويب ولها تكوين متقدم في فنون الحرب والدفاع عن النفس، وقد ساعدته في هيكلة هذا الجهاز كل من فرنسا وإسرائيل، وكان من بين العناصر التي اعتمد عليها الجنرال آنذاك، الكومسير بودريس سميرس وشاشة وبودلاد وشفيق. وكان الملك الحسن الثاني قد كلف بودريس بإعادة هيكلة الجهاز، لكن سرعان ما عوضه محمد المديوريمحمد المديوري رئيس نادي الكوكب المراكشي رفقة المشجع الظاهرة عبد العزيز القنسولي في هذه المهمة. تأسست قوة محمد المديوري منذ أن كلفه الملك الراحل الحسن الثاني بإعادة هيكلة الأمن الخاص للملك، بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين بضمان استقلاليته عن مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابراتية. وقد بلغت قوته بعد إعادة الهيكلة هذه درجة الاستئساد على "لادجيد" و"الديسطي" و"الاستعلامات العامة"، وبرزت هذه القوة بجلاء عندما فرض شقيقه عمر المديوري على رأس الأمن الخاص للرئيس الغابوني "عمر بونكو"، كما برزت قوة نفوذه بمناسبة تعيين نجله مديرا عاما للمركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية، ففي البداية عين وزير الطاقة والمعادن، إدريس المدغري، أحمد بوحولي على رأس ذلك المركز، وبعد يومين فقط تم تعويضه بجرة قلم، بنجل الحارس الخاص للملك، خالد المديوري، وقد أثار هذا التعيين عدة تساؤلات في الأوساط القريبة من القطاع، علما أن أحمد بوحولي كان يتوفر على خبرة في المجال بشهادة جميع الذين يعرفونه، وهو الذي في جعبته جملة من المساهمات والدراسات والأبحاث في المجال النووي. مع ذلك اهتم بالرياضة والجمعيات اهتم محمد المديوري عن قرب بالرياضة، إذ وضع قدمه بقوة في الجامعة الملكية لألعاب القوى والجامعة الملكية للتيكواندو وفريق الكوكب المراكشي، كما ترأس جملة من الجمعيات، لاسيما جمعية الأطلس الكبير. كانت البداية مع كرة القدم رفقة الدفاع الحسني الجديدي ما بين 1966-1968، وكان حينها يشغل منصب عميد مركزي بأمن مدينة الجديدة قبل أن ينتقل سنة 1969 إلى مراكش، مما أتاح له تدريب فريق النجم الرياضي المراكشي إلى حدود تعيينه سنة 1971 في الأمن الخاص للملك. ومنذ ذلك الحين ارتبط اسمه بالكوكب المراكشي، إذ منذ الثمانينيات وعلى امتداد التسعينيات حقق هذا الفريق ثورة في عالم كرة القدم المغربية، ففي موسم 1991-1992، فاز بلقب الدوري وبكأس العرش أربع مرات في ظرف عشر سنوات، كما فاز بكأس الاتحاد الإفريقي سنة 1996. لقد استعمل محمد المديوري قربه من الملك الحسن الثاني وهيبته ونفوذه القوي لفرض توقيع عقود الاستشهار وبناء متاجر تابعة للكوب المراكشي الذي أضحى في عهده يمتلك أراضي وعقارات تذر عليه مداخيل هامة، وتجهيز الملعب بالأضواء الكاشفة التي كان وجودها يعد نادرا آنذاك بالملاعب المغربية. وفي ظرف وجيز أصبح فريق مراكش يمتلك مقومات النادي الكبير بفعل الاستفادة من عدة قطاعات عمومية وشبه عمومية، وهو أول فريق مغربي استفاد من اللوحات الإعلامية بملعبه (1986 -1987)، كما تمكن من امتلاك مركب سياحي تجاري يذر على مالية الفريق 13 مليون درهم سنويا، لكن بمجرد ذهاب محمد المديوري بدأ تقهقر الفريق مع فقدان من كان يسنده. لم يفلت المجال المالي الرياضي من اهتمام الحارس الخاص للملك، إذ سعى لوضع يده على صناديق بعض القطاعات الرياضية، ورغم كثرة التساؤلات التي أحاطت بخصوص تدبيرها وتسييرها لم يتم تحريك ساكنا ما دام المعني بالأمر قد التزم بفحوى الصفقة وأحسن احترام بند الدخول في صمت مطبق. لقد قضى محمد المديوري 7 سنوات على رأس الجامعة الملكية لألعاب القوى، حيث تمكن من فرض شخصيته فيها دون منازع بفعل موقعه وقربه من الملك، إذ كان من شبه المستحيل مخالفته، وكانت زياراته لمقر الجامعة تتخذ شكل ومراسيم زيارة جنرال لجنوده، والغريب في الأمر أن هناك بعض الأشخاص ولاسيما بعض الأبطال الذين كانوا يقبلون يده أو كتفه كلما التقوا به. وفي عهد قيادته لألعاب القوى، تناسلت عدة أسئلة بخصوص التدبير المالي ومستحقات الأبطال، آنذاك كانت الصحافة تتجنب انتقاده، بل إن إحدى الصحف المتخصصة، دأبت على أن تخصص له كل سنة جائزة خاصة بمناسبة اختيار رياضي السنة، ففي عهده كانت كل الانتقادات تمر على ظهر عزيز داودا، المدير التقني الوطني. ومن صور تأثيرات محمد المديوري في المجال الرياضي، مسار فريق الكوكب المراكشي الذي هوى بمجرد ذهاب المديوري. آنذاك كان الحكام يرغبون في الاستفادة من سلطة هذا الرجل بغرض حل مشكل أو توظيف أحد الأقارب أو قضاء مصلحة من المصالح، الشيء الذي كان يؤثر على نزاهتهم الرياضية ويدفعهم إلى التواطؤ مع فريق حارس الملك الخاص. وقد سبق لسعيد عويطة أن صرح أنه تمكن من جلب عقود مهمة من الخارج لفائدة ألعاب القوى المغربية لكنه ندم على ما فعل نظرا لاستشراء الفساد والنهب الذي طال الأموال والتجهيزات التي جلبها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تم إبرام عقد مع شركة "نايك" تستفيد بموجبه ألعاب القوى من 400 ألف دولار (4 ملايين درهم) في السنة كتجهيزات رياضية، إلا أنها كانت تُحوّل إلى متاجر في ملكية مسؤولين أقيمت لبيعها لفائدتهم. ولم يخف سعيد عويطة، في أكثر من مناسبة، العداء الذي يكنه له محمد المديوري، الذي حسبه، ظل يخشى انكشاف فضائحه. وقد أجمع الملاحظون أن مشاكل سعيد عويطة بدأت منذ أن تجرأ على انتقاد، صراحة وعلانية، محمد المديوري، وفي هذا الصدد قال عويطة في إحدى تصريحاته بخصوص مرحلة محمد المديوري، "لقد وقعت أشياء خطيرة لم أتحدث عنها ولن أتحدث عنها لأنها تمس باسم المغرب وبسمعة رياضته". خلافا للجنرال حسني بنسليمان، الوحيد من بين رجالات الملك الراحل الحسن الثاني، الذي احتفظ بمسؤولياته الرياضية في العهد الجديد لمدة، حيث تم إبعاد محمد المديوري من على رأس الجامعة الملكية لألعاب القوى رغم تربعه على عرش الأمن الخاص للملك ما يناهز 3 عقود، ولم يول محمد المديوري اهتماما كبيرا لتنحيته من ألعاب القوى والتكنواندو باعتبار أنه وصل أقصى ما يطمح إليه مسؤول أمني سواء على الصعيد المعنوي أو المادي، علما أن نهج تدبير الشأن الرياضي ببلادنا لا يختلف عن التدبير في القطاعات الأخرى الموصومة كلها بغياب النسقية الديمقراطية وعدم ترسيخ فلسفة الشفافية، ما دامت القاعدة هي تعيين أناس يثق بهم القائمون على الأمور وترتاح إليهم الدولة ضمانا لعدم خروجهم عن نهجها ونظرتها ورغبتها. ورغم أن مسؤوليته الأولى والأخيرة كانت حراسة الملك، فإن محمد المديوري اخترق كذلك بعض الفضاءات الجمعوية، وساهم في تأسيس جمعية الأطلس الكبير عندما خطط الملك الراحل الحسن الثاني لإحداث ما سمي بجمعيات السهول والوديان والهضاب والجبال لمراقبة الفضاءات الجمعوية ومحاولة التصدي للنشاط الجمعوي الهادف الموالي للقوات الحية للمجتمع، لاسيما وأنها كادت تجتمع آنذاك على المناداة بالتغيير.

مشوار محمد المديوري

محمد المديوري احد أبناء "إيمور" بضواحي مراكش، كان صاحب نكتة ككل "أولاد البهجة"، التحق بسلك الأمن الوطني وعمل بالأمن الجهوي بمراكش. على غرار مسار الجنرال حسني بنسليمان، مكنته مزاولة كرة القدم من البروز كلاعب متميز بفريق الكوكب المراكشي، وبفضل مدير الأمن الوطني، ربيع، تألق في مشواره الوظيفي بسرعة إلى أن ولج دائرة الأمن الخاص للملك ليصبح قائما عليها. تكون محمد المديوري في "مدرسة ساسيا"، مهندس الأمن الخاص للملك الراحل الحسن الثاني ومستشاره الخاص في القضايا الأمنية بعد انقلاب الصخيرات، علما أن كل رجال الأمن الخاص للملك الذين كان يترأسهم محمد المديوري تكونوا وتدربوا على يد الفرنسي "ساسيا" الإطار الأمني بوزارة الداخلية الفرنسية آنذاك. ويقول أحد رجال الأمن الذين عرفوا محمد المديوري في بداياته، إنه في سنة 1957 تلقى تدريبا خاصا ضمن مجموعة كانت تضم مغاربة وجزائريين، منهم سلطان عمار وشفيق والبوصيري وأحمد البوخاري بمركز التكوين الكائن بحي المحيط بالرباط، وذلك قصد تعويض رجال بودريس سميرس رئيس الأمن الخاص للملك، آنذاك، ويقول ، في حق المديوري إنه متخلق ومتدين، وكان يتحلى بكل الصفات التي تجعله رجلا غير مناسب لممارسة مهنة الشرطي، وزادته أخلاقه الرياضية تأدبا واستقامة. وقبل هذا التدريب، كان قد تلقى تدريبا آخر بمركز عين الشق الذي كان الفرنسي "ماس" وحمو قائمين عليه آنذاك، وتلقى تكوينا عالي المستوى في الكاراتي والجيدو سنتي 1984 و1985. لم يكن محمد المديوري ليتمكن من بلوغ ما بلغه في مشواره لولا تدخل وساطة جملة من الشخصيات الوازنة قريبة من الملك الراحل الحسن الثاني، وقد بدأ الخيط بواسطة ربيع، مدير الأمن الوطني آنذاك، والجنرال حفيظ العلوي الذي يعتبر الجسر الذي أوصله إلى الملك الراحل، إذ هو الذي قدمه كرجل يتوفر على مؤهلات أمني متميز في الرماية والتصويب ومكون في فنون الحرب والدفاع عن النفس ورياضي مواظب. عندما وصلت هذه المعلومات بالصورة إلى الملك، لم ينتظر الحسن الثاني طويلا، فقام بالتخلي عن رئيس حرسه الخاص، الكوميسير بودريس سميرس وعوضه بمحمد المديوري، ولم يتجاوز سميرس آنذاك سنتين بالأمن الخاص للملك. هناك حكايات تناسلت بخصوص المديوري، منها روايتين متضاربتين.. تقول الأولى إنه تألق في حماية الملك الحسن الثاني في قصر الصخيرات حينما هجم عليه تلاميذ مدرسة أهرمومو تحت قيادة اعبابو، في حين تقر شهادة أخرى بأنه لم يهتم إلا بإنقاذ نفسه حيث اختبأ بإحدى المراحيض، وتقول شهادة أخرى إنه احتمى في مكان خاص بوضع قمامة القصر. وبخصوص المحاولة الانقلابية الثانية (الهجوم على البوينغ الملكية)، تقول حكاية أخرى أن محمد المديوري حمى الملك الحسن الثاني عندما رافقه من مطار الرباط – سلا إلى إحدى الإقامات بحي السويسي وظل بجانبه، في وقت تخلف فيه الكوميسير بودريس سميرس واختفى عن أنظار الملك، ومنذئذ أضحى محمد المديوري ظل الملك الذي لم يفارقه، وكان حاضرا معه في أول لقاء مع وفد البوليساريو، إذ أن بعض أعضاء الوفد قابلوا الملك الحسن الثاني بحضور كديرة وعصمان والفيلالي وإدريس البصري، في حين ظل باقي الوفد بمعية الحارس الخاص للملك ولم يدخلوا القاعة. آنذاك كان إدريس البصري المنافس الوحيد لمحمد المديوري، لاسيما بخصوص وضع اليد على المعلومة الحساسة لتوصيلها للملك؛ وحسب المقربين من الحسن الثاني، كان هذا الأخير يستحسن كثيرا هذا الصراع الذي تحول إلى تواطؤ بين الرجلين عندما أصبح أحمد المديوري مديرا للأمن الوطني، وفي صراعه مع إدريس البصري سنة 2000، على حين غرة ودون سابق إنذار، تم تغيير محمد المديوري وإبعاد الكثيرين ممن شكلوا فريق عمله طيلة وجوده إلى جانب الملك الحسن الثاني، وبعد تعويضه بالزبيدي، الحارس الخاص للملك محمد السادس لما كان وليا للعهد، راجت أخبار مفادها أن فرقة من الدرك الملكي، تحت القيادة الفعلية للجنرال حسني بنسليمان، قامت بعملية تفتيش لإقامة محمد المديوري الذي كان قد اختفى عن الأنظار، عندما قيل إن الملك محمد السادس أمره بأن لا يبرح بيته حتى تأتيه أوامر جديدة؛ وفي نهاية يونيو 2000 أعفي رسميا من مهامه وأبعد رغم أنه لم يصل إلى سن التقاعد. وتزامن إعفاؤه بالتخلص من كل رجاله، وعلى رأسهم عبد الله تمام، إذ أن بعضهم أحيلوا على التقاعد والبعض الآخر نقلوا إلى مواقع أخرى دون تحميلهم أي مسؤولية. رحل محمد المديوري إلى الديار الفرنسية وأقام بالعاصمة باريس، ويبدو أنه لازال يقوم بمهام أمنية خاصة بأوروبا وعبر العالم لفائدة جهات وازنة بالمملكة، كما يضطلع بحماية أفراد العائلة الملكية بفرنسا وبإقاماتهم هناك، وقد شوهد أكثر من مرة بالإقامة الملكية بضواحي باريس. كان محمد المديوري يعتمد على ساعده الأيمن عبد الله تمام الذي كان مكلفا بمراقبة الموظفين وبمقتضيات ولوج القصر الملكي ومختلف أجزائه. وتذهب جملة من الآراء إلى اعتبار أن النقطة السوداء في علاقة القصر مع الحارس الخاص للملك الحسن الثاني، هي التي تكمن وراء افتعال حادثة السير الغريبة التي لقي فيها الجنرال أحمد الدليمي حتفه بمراكش، وليس تورطه في الإعداد لانقلاب كما اعتقد البعض، وقد قيل إن زلة الدليمي كانت في اعتماد التستر على عدد من القضايا في علاقاته مع محمد المديوري، وهذا ما صرح به الكولونيل بوعطار الذي لقي حتفه أيضا في ظروف غامضة. وذهب أكثر من مصدر إلى القول إن رجال حسني بنسليمان هم الذين تكلفوا باستنطاق الكولونيل بوعطار. ومما أثار اهتمام الرأي العام كذلك، ما أعلنه مصدر إعلامي إسباني، حيث أفاد أن اسم كل من العشعاشي والمديوري قد ذكر في إطار التحقيق مع رشيد التمسماني، وهو النائب البرلماني لتطوان الذي اعتقل بالديار الإسبانية في ملف دولي لتهريب المخدرات. في سنة 2000، على حين غرة ودون سابق انذار، تم تغيير محمد المديوري وإبعاد الكثيرين ممن شكلوا فريق عمله طيلة وجوده بجانب الملك الحسن الثاني، وبعد تعويضه بالزبيدي، الحارس الخاص للملك محمد السادس عندما كان وليا للعهد، راجت أخبار مفادها أن فرقة من الدرك الملكي، تحت القيادة الفعلية للجنرال حسني بنسليمان، قامت بعملية تفتيش إقامة محمد المديوري الذي كان قد اختفى عن الأنظار، عندما قيل، إن الملك محمد السادس أمره بأن لا يبرح بيته حتى تأتيه أوامر جديدة. وفي نهاية يونيو 2000 أعفي محمد المديوري الحارس الخاص للملك الراحل رسميا من مهامه وأبعد رغم أن لم يصل بعد إلى سن التقاعد، وقد عقب إعفاؤه مباشرة التخلص من كل رجاله، وعلى رأسهم عبد الله تمام، إذ أن بعضهم أحيلوا على التقاعد والبعض الآخر نقلوا إلى مواقع أخرى دون تحميلهم أي مسؤولية.

Publicité
Commentaires
Publicité